ورثة آل الشيخ .. رواية أجيال من الرمال المتحركة

متى وأين وكيف .. وجدت نفسى غارقة فى خضم الأحداث المتلاحقة عبر الأجيال .. لاأدرى.. وكنت سعيدة بأننى حقا لاأعرف كيف أدرى.. إن تجارب القراءة الكلاسيكية التى لاتقلب كياننا رأسا على عقب تشبه عابرى السبيل الذين لانكاد نعرف هل مروا علينا بوجوههم أم بظهورهم..

يناير 19, 2023 - 18:07
يناير 19, 2023 - 18:19
 0  11
ورثة آل الشيخ .. رواية أجيال من الرمال المتحركة

عندما كنا على أعتاب رمضان .. طلبت من جارتى القارئة الجيدة للأدب الحديث أن ترشح لى رواية تحافظ على وقار الشهر الكريم .. إذا ماأرهقتنى بعض الكتب الدينية التى أضمنها لاتخدش قدسية صيامى .. ورغم أن الأمر بدا لها محيرا مثل .. كيف يكون هناك أدب حديث لايخدش الصيام ؟! وتذكرت نفس المطب عندما يطلب منى أحدهم ترشيح فيلم يصلح للمشاهدة العائلية بدون إيحاءات .. لهذه الدرجة .. وصل الأدب والسينما من الإستسهال اللغوى والثقافى على مايبدو ليقلل أمامنا الخيارات .

المهم أنها رشحتها لى وبدأت قراءاتها بعد العيد .. وجدت معالجة لفكرة كنز يحرسه قرد .. فشعرت أنها فكرة سخيفة وسطحية ولاتصلح حتى لمعالجات الرسوم المتحركة للأطفال .. وحدقت بوجه كاتبها أتشاجر معه كعادتى خاصة حينما يكون اسما معروفا وله صدى .. وتركتها شهرا على مخدتى بينما أقرأ كتبا أخرى .. وفجأة وجدتنى عدت إليها فى لحظة ملل مقررة إعطاءها فرصة أخيرة قبل أن تعود لصاحبتها .. وشعرت بالرمال المتحركة التى كنت ألفظها وأرفسها وأسخر منها تبتلعنى وتسيطر على حواسى .. ياااه الخرنفش والجمالية وعوالم نجيب محفوظ الثرية بالشخصيات.. أنا ضعيفة جدا أمام صرير بوابات الزمن العتيق حين تفتح ويطل منها الأجداد بطرابيشهم ومنشاتهم وسيارتهم الفورد وجراموفانتهم ذات الموسيقى الخرفوشية التى كانت تصل بهم إلى قمة البهجة .. ماذا .. بيت يطل على موكب محمل كسوة الكعبة وزفاته الحميمية ذات الطقوس الصوفية ومجاذيب يجاورون الحسين ببخورهم وسبحهم وأهازيجهم المليانة فلسفة .

متى وأين وكيف .. وجدت نفسى غارقة فى خضم الأحداث المتلاحقة عبر الأجيال .. لاأدرى.. وكنت سعيدة بأننى حقا لاأعرف كيف أدرى.. إن تجارب القراءة الكلاسيكية التى لاتقلب كياننا رأسا على عقب تشبه عابرى السبيل الذين لانكاد نعرف هل مروا علينا بوجوههم أم بظهورهم.. لكن تجارب القراءة المميزة يمكنني أن أختبر فيها لون عيون نشأت التى برقت فى الظلام بحماس والناس نيام وهو يوصل أول هاتف مدنى مع حبيبته الأرمنية بعد أن ظل استخدامه لأغراض عسكرية .. فى هذا المشهد تحديدا وفى قمة الإثارة دخلت أختى تطلب إغلاق النور فأكملت الإضاءة على فلاش الهاتف فجاء أبى ليقول قولته الشهيرة التى لم أسمعها من أيام إطفاء النور على قبل أن أتم صرخة الرعب " لو كان مصحف لن تقرأيه بهذا الشغف " لقد جاء مشهد جيد فى رواية بعبارة عتيقة من فلاش باك طفولتى مع روايات الرعب .. يالألعاب الذاكرة .. ولعل فكرة إنتقال اللعب من نفسية البطل الذى يطارد ماضى الأجداد وتكملة الحكايات من الذاكرة دوما ماتراودنى إذا ماسمعت حكاية مشينة عن العائلة فأسعى لبروزتها وقص الضار منها وإبراز ثمارها الحلوة فقط .. ياله من تكنيك نفسى نبرمج ذواتنا عليه كى نراها فى أحسن صورة فحين نقابل ناس لم يهتموا بتجميل ذواتهم مثلنا استنكرناهم ونبذناهم ناسيين عمليات تجميل الذاكرة التى مازالت غرزها ظاهرة لو تحسسناها. 

أذكر من المشاهد التى تضج بكونها ماستر سين .. مشهد إحتراق كوخ "إفرام" وبداخله حسنوات البلد من كل الديانات.. ومشهد الحكمدار يحرق الأوراق فى الفسقية ثم تسمية المطبعة على إسمه وإبنه العليل جالسا يديرها ببراعة والاحبار من حوله .. ولعلنى أميل لنسل الحكمدار أكثر من نسل فاضل ومختار لأن شخصية الحكمدار الكارزميتية أخرجت شخصيات تحاول الخروج عن الطوق وتفعل الجديد بعكس باقى النسل الذى إستسهل الهروب إلى الريف وراء العمة .. حتى نشأت نسله كان مبتور الذكر الا من سيارة إبنه.. محمد كان كلاسيكيا لم أنجذب له بعد حادث الحريق .. وكان فاضل أباه باهت الحضور فلم يشغلنى حضوره من غيابه .. أحببت نعمات كثيرا وتمنيت عمة مثلها لاشغل لها سوى مشاعر أبناء إخوتها.. وتطييب خواطرهم.. وراقنى الصراع بين أم فاضل وأم صدقى وكيف هدأت جذوته بتراكم المحن.. كانت من اللفتات الإنسانية الرقيقة أن تتعلم كيف تمنع مشاكستك الفطرية عن المكلومين الذين يشاكسون ذباب وجوههم بلا أى بادرة مبالغة.. معنى إحتواء الضرة هنا كان كبيرا وعظيما فى رحمته. 

كانت رواية رمال متحركه كما سبق وذكرت وإننى لأحب الغوص كثيرا فى مثل هذه الرمال حتى أجدنى قد أنهيت آخر صفحاتها.. ورغم أن هناك فضول متواثب نحو تفاصيل كثيرة مقصوصة فى مثل هذا النوع من النهايات المفتوحة .. وتشبع لم يكتمل أبدا من شخصيات الماضى .. كنت أتمنى لو أقرأ عن نشأت أكثر وأحواله فى بورسعيد وعن الأخوات البنات فى الخرنفش واللواتى لم يذكرهن الكاتب سوى بعداد الميلاد ثم عداد الزواج ولم يأت ذكر سوى "زبيدة"كحلم مبتور مزدوج.. فهى صاحبة حلم مبتور بزواج قصير وكانت حلم محمد المبتور حينما فشل فى إقناعها بالزواج.. كنت أتوق لمعرفة مصيرها.. وشخصيات كثيرة شهدت ميلادها وحبها واحلامها اغلقت الرواية على أصابعى مصيرها. 

إن روايات الأجيال المتعددة الصوت السردى مثل روايات محفوظ كان يوجد بها سجل متكامل للشخصية منذ ميلادها حتى وفاتها وهكذا أجد أنه لطالما أدخلني الكاتب بيت الخرنفش أن أعرف كل من ظللته هذه الحوائط منذ ولد وحتى مات .. كيف كانت أحواله وانفصاله عن البيت الكبير كيف كانت .. لكن قد يصنع هذا ثلاثية أخرى أو حرافيشا أو يمتد بنا الحكى لتاريخ اولاد حارتنا .. حتى أننى حرمت من معرفة هل مازال بيت الخرنفش موجودا وماهو مصيره بعد أن استولت عليه الحكومة وهو مشهد مبتور آخر لسارد القصة بعد أن اوصل أمه لشارع المعز لم يذهب معها للبيت وكنت أنتظر ذاك بشغف عجيب .

رغم كل المقالب التى دخلت بها بهذه الرواية .. لن أنكر إستمتاعى وتغيير وجهة نظرى تجاه الكاتب الذى لاشك سأبحث وراءه عن رمال أخرى متحركة تغوينى هذا الاغواء المثير للسخرية ثم التورط اللذيذ الملىء بالمقالب. 

#فى_عشق_العوالم_المحفوظية_القرملاوية 

#التى_ننجذب_إليها_إنجذاب_المندوه_لنداهته????

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبنى لم يعجبنى 0
أحببته أحببته 0
أضحكني أضحكني 0
أغضبني أغضبني 0
أحزنني أحزنني 0
واااو واااو 0
عبير الهامى أنا اللي بالأمر المحال اغتوى شفت القمر .. نطيت لفوق في الهوا طلته مطلتوش ايه انا يهمني مادام بالنشوى قلبي ارتوى ...