كوتسيكا .. مائة عام من اسكندرية الثورات -

يونيو 21, 2023 - 10:16
يونيو 23, 2023 - 14:44
 0  4
كوتسيكا .. مائة عام من اسكندرية الثورات -
كوتسيكا .. مائة عام من اسكندرية الثورات -

 دوما ماتروي الروايات قصص الثورة في المدن المركزية .. القاهرة التي صنعت لقبها من القهر المستمر لأعداءها.. والمنصورة التي سميت بسبب معارك النصر الفاصلة التي دارت رحاها على أرضها .. ورشيد وارتباطها بحركات المقاومة الشعبية .. وبورسعيد وحركات الفداءيين الشهيرة .. وسواها من المدن التي يرتبط اسمها بمقاومة أو غزوة أو ثورة .. وكما توثق ثلاثية نجيب الشهيرة مصر مابين ثورتين .. ثورة ١٩ وثورة ٥٢ .. توثق هذه الرواية الإسكندرية مابين ثلاث ثورات العرابية و١٩ و٥٢ .. أي منذ دخل الاحتلال الانجليزي مصر وحتى خرج منها ومعه باقي الأجانب والاقليات . كنت أقرأ اسم كوتسيكا كمدينة أجنبية وسط محطات المترو وأتعجب كثيرا واتساءل وانا أعرف بكونها رواية عما يمكن أنها تتحدث عنه لربما عن هوية المكان بصفته شعبي وله أصول غير مصرية وتاريخ تحول المكان من كونه مكان كوزموبالتيك متعدد الجنسيات لكونه مكانا منغلقا على نفسه هكذا تخيلت لوهلة حتى قرأت أخيرا الرواية وسط تحدي أبجد .

 عرفت حكاية يوخاري أو الخواجة كوتسيكا كما يسمونه الفلاحون أو المصريون كما كانوا بذاك الزمان يعملون فقط بالفلاحة.. فأصبحت مهنتهم هي جنسيتهم لدى الأجانب ورغم مايبطن ذلك من اهانة لكني رأيتها عزة وكرامة لأن ذلك يعني أن المصريين فلاحين أصحاب أرض وأن الخواجات الصناع التجار غرباء على هذه الأرض ولايفهمونها مثل أصحابها الذين توارثوها عبر آلاف السنين .

 ❞ تأمَّل حبوب الشعير يا خواجة، تُخبِرْكَ بالحكمة التي لا تُغفَل، الحبوب التي تبدو مجرَّدَةً من الحياة تنبُت بدون تُربَةٍ ولا سقاية تلك التوليفة العجيبة بين الموت والحياة هي ما تجعل البيرة جيِّدَةً، أليس كذلك؟ قد تُولَدُ الثورة في أحلك الظروف ❞ مهما بَدَا لك الفلَّاحون غيرَ مُبالين، كالموتى في الجبَّانات. ❝

 الجالية اليونانية وتاريخها مع مصر عبر التاريخ باعتبار مصر واليونان بلدتان من ذوي الحضارات القديمة .. ستكون هذه الجالية التي هربت من البطش لبراح العيش في مصر هم أثرياء البلد الذين يملكون اقتصادها عبر الثورات وعبر الحروب العالمية الأولى والثانية .. لم يكن هناك بقال مثل البقالين اليونان الذين يشككون المصريين الوقة وقرش الصاغ ومعلشي ياكوستا لاول الشهر .. ولم يكن هناك ساقي خمر مثل خماراتهم العامرة بالمجاريح الذين يطلبون تجرع المزيد من الخمر من يد الخواجة ياني .. ولن تجد ولا مرة خواجة يوناني قاسي القلب في أفلام الأبيض وأسود.. ستجدهم جدعان وأولاد بلد وكثيرا مايرق قلبهم لحالك ويبكون معك الحبيبة ويوصلونك لمنزلك بحالتك المزرية تلك .. ولعل أجواء الرواية لاتبعد كثيرا عن ذلك .

فقد أنشأ كوتسيكا فابريكة البيرة وضم فيها كل الجنسيات والاديان .. ستجد علوة المسلم وسمعان اليهودي وبالطبع كوتسيكا مسيحي .. ستشعر بقوة مصر الحقيقية في رمزية هذه الفابريكا حين كان العمال يدا واحدة .. يعملون صباحا في شراب الشعير ويصلون مساء في مسجد الفابريكة متنصلين من خطاياهم.. ستجد تيودور فخورا بارث عمه واسم كوتسيكا .. حانقا عليه لأنه قتل حبيبته بيرل وايت .. ستجد علوة واقعا في غرام الشعير واصفا عيون حبيبته بلونها.. واقعا في غيبوبة سحرية نشوانة من رائحة الشعير وصوت ثومة التي وصف في سحرها أكثر من النساء التي سقط بين أحضانهن .

❞ يتذكَّر كيف كان مصطفى السببَ في حضور أول حفل لها، كيف فتح له باب الجنَّة التاسِع، هنا الحِجامَة الروحية حيث تُفصَدُ العروق ليخرج منها الدَّمُ الذي أفسده الحزنُ والخيبة وطول الانتظار، وتُدهَنُ الجِراحات ببَلسَم شافٍ مُداوٍ، أم كلثوم الفلَّاحة تحلب ❞ لهم النجوم، تُقطِّر ضياءها في القلوب، مع هَلَّة الخريف والبرد الخفيف، وبعد أن نالت الست لقب صاحبة العِصمَة في حفل النادي الأهلي، وهي اليوم في أحسن حالات الطرب والسَّلطَنة وانعدال المزاج،

❞ وبعيدًا عن التشويش الملكيِّ بصَخَبِه وحاشيته والهتاف المزيَّف الذي اخترق حفلها . ❞ لو يملك الأمر لم يُفلت آهَةً خرجت من قلب ثومة، ولا همسة تلاغي بها فرقتها لم يسمعها سواهم، لو يملك الأمر لم يُهدِر الدقائق التي تعيد فيها الآنسة المقطعَ وراء المقطع فيولد في كل مرَّةً ثوبًا جديدًا يخرج من بين ❞ حبال صوتها الذَّهبيَّة تارَةً مَلَكيًّا مُزَخرفًا مُقصَّبًا، وتارة فلَّاحي بسُفرة واسعة ليحتوي صدور الأمهات الرحيمات، تارة في نعومَةِ وتلاعُبِ المُلاءة اللَّف، وتارة خَشِنًا قديمًا مُرقَّعًا كثوب درويش، ❞ حتى تلك البُحَّة التي تطلقها بين الحين والآخر فيبدو للسامع كأن اللحن هزمها ما هي إلا صهيل الخيل الأصيلة عندما توشك على الوصول إلى غايتها من الركض، تلك الجلجلة الصافية التي تُخبِرَكَ بأنها خارج نطاق سيطرتك، لا سلطان لك عليها، ❞ بل هي وحدها -ثومة- من يملك الزمام ❝

 ❞ غير أن ثومة أصبحت "السِّتّ"، ولم تَعُد تُلَقَّب بالآنسة، يطيب صوتها، يَنِزُّ حَلاوةً، يرسل سنابل ذهبية، صوت كالشَّمس، كُلَّما تَقدَّم به العمر ازداد وهجًا وألقًا وعطاءً، تفاريد ثومة ستُلهِمُكَ طُرُقًا عديدة للإفلات من الكرب والشقاء وجفاف الروح، تفاريد ثومة ❞ تُشبِه تصاريف القدر، طريقة جديدة وابتداع مختلف مع كل إعادة، الخروج عن السياق المتَّفَق عليه، ارتجالات وليدة اللحظة، كل لحظة وأي لحظة أرادتها السِّت، حُرَّة من كلِّ قَيد، حتى قيد اللحن والكلمة، وتأبى في كل مرة إلَّا أن تأخذ السَّمِّيعَة ❞ معها في رحلة الحرية التي تتمتَّع بها كُلَّما شَدَت وتفرَّدَت.

 ‫ كريمة يا ست! ❝

 وكريمة يامصر التي لطالما آوت كل طوائف البشر بين احضانها وعجنتهم بالحركات الشعبية والثورات والانقلابات حتى أصبحوا نسيجا واحد .. فهاهم الانجليز الذين دخلوا بلادنا لحماية الاقليات بعد فشل الثورة العرابية .. تقوم عليهم الاقليات الأجانب في ثورة ١٩ واقفة بجوار المصريين كتفا بكتف ودينا بدين .. من حينها سيكشف عن دماءهم وألسنتهم ليراها مصرية خالصة أو مشوبة بدم أجنبي .. من وقف بالثورة وحاول أن يكشف صدور جرحاها وشهداءها عن مصير المسلم والمسيحي واليهودي.. كان الكل يسجي طريحا بالقصر الفرنساوي تحت علم مصر وكفى .

❞ أَيقَنَ العاشق بغيابها أن ثومة هي نوبات السُّكْر الخالص، خالي الكحول، سُكْرٌ حلال، ما تُغَيِّبه ثومة ليس العقل، بل ما يُفسِده ويُشقيه، عند سماعها تغيب الأنا، يمتزج الكُلُّ بالكُلِّ، تصير الأَثَرَة للحُبِّ والمحبين، للبشر على أحسن ما يُرام من الإنسانية ❝

 ‏حتى صوت الست وصل لكل أذن عربية وغير عربية .. لطالما جمعت جمهورا عريضا حولها متمايز الجنسية والديانة .. يتسلطن على كلماتها العربية المنضبطة من حفظها للقرآن ومع أشعار فطاحل العصر فقط لأن بصوتها شىء من شجن الأرض التي باتوا واقعين في هواها .. وإنني أتحدي كل طبقات هذا العصر الذي عايش ثومة من الثلاثينات الي السبعينات انه قد يكون سلح الجيش المصري التي كانت تتبرع له بريع حفلاتها خلال حروبه وقد يكون هذا الجيش يحارب جندي يهودي محتل أو عدوان انجليزي فرنسي غاشم .. وستجد من بين جمهورها اليهودي والفرنسي والانجليزي الذين ينسون انتماءاتهم في لحظة سكر مع صوت الست الذي يغالب سكر البيرة مرات ومرات .

 رغم شعوري برحرحة الرواية الزمنية خلال مائة عام من سرد الأحداث ودخول شخصيات جديدة من حين لآخر .. لكني لم أفقد متعتي لوهلة وظللت في خلفية القراءة أنعم بصوت محمد الحلو في عبقرية أحمد فؤاد نجم ومسلسل زيزينيا الذي روي فيه الرائع أسامة أنور عكاشة قصة الدم المصري الاسكندراني وارتباطه بكل الجاليات الأجنبية وكيف ينتصر هذا الدم الأصيل على باقي الأصول الأخرى.. حين يشدو الحلو متنغما ...

 وعاشرت فيكي الخواجة ياني ... جريجي لكن مصراوي جني ... اسكندراني عاشق أغاني ... جعان يغني .. شبعان يغني ... ويبات في حالة .. يصبح في حالة وكونه ينسي .. دي الاستحالة 

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبنى لم يعجبنى 0
أحببته أحببته 0
أضحكني أضحكني 0
أغضبني أغضبني 0
أحزنني أحزنني 0
واااو واااو 0
عبير الهامى أنا اللي بالأمر المحال اغتوى شفت القمر .. نطيت لفوق في الهوا طلته مطلتوش ايه انا يهمني مادام بالنشوى قلبي ارتوى ...