رواية خرائط التيه - للكاتبة بثينة العيسى
مراجعة رواية خرائط التيه للكاتبة بثينة العيسى

* لم تكن هذه الرواية على قائمة قراءتي الحالية مطلقًا، ولكن القدر أخذني إليها مرغمة فوجدتها أمامي، في الكثير من الروايات التي بدأت بقراءتها لم أحاول أن أعرف قصتها بالتفصيل قبل البدء فيها، وهذا حتى لا أتأثر بأي فكرة خارجية أو رأي عنها، أو حتى لا تُحرق لي الأحداث بأي شكل، فعلت هذا مع خرائط التيه، وبسببها أعتقد أنني لن أكرره.
*تجعلك الرواية تشعر أن هناك ثقل يقبع فوق قلبك، لا يساعدك على التنفس، تبكي وتبكي وكأنك لم تبكي من قبل، هذا ما حدث مع تلك الرواية هنا، هذه الرواية ثقيلة جدًا على الروح، تغرس في قلبك سكين الألم، وتلفه أكثر من مرة حتى تترك ندبة لا تلتئم.
*القراءة الثانية لـ بثينة العيسى بعد حارس سطح العالم، التي كانت عالم خيالي أو ربما نظرة إلى المستقبل، وتوقعت أن تكون خرائط التيه كذلك ولكنها كانت واقعية حد الألم، تحكي الرواية عن الصغير مشاري الكويتي الذي ذهب إلى بيت الله بمكة مع ابيه وأمه، أختطف الطفل الصغير من صحن الكعبة، اخذته المرأة "روينه" التي ترتدي الأسود وغادرت بعد أن خدرته، لم ينتهي سوق الرقيق والذي أصبح سوق غني بسرقة الأعضاء، للحظة شعرت أن حتى أقرب الأماكن للجنة لا تمنح الأمان على الأرض، لوجود شياطين الأنس الذي يبرعون في الخبث والخسة والقهر.
*مريم الفتاة الهندية التي اُخُتطفت قبل مشاري، لم يختلف مصيرها عن مشاري كثيرًا بل رحمها الله سريعًا، طفلة هندية اغتصبها الخبيث جرجس، وحتى بعد ذلك مازالت تنتظر مصيرها في أخذ بعضًا من أعضاءها!، حينما استطاع مشاري الهرب استطعت أن اتنفس مرة أخرى، ولم أعي أنه ينتقل من مصير سيء إلى مصير أسوأ بكثير، ففضلت لو ظل مع جرجس خاطف الأطفال المغتصب وبائع الرقيق ربما كان هذا أرحم.
*سمية أم مشاري كانت الأمومة مجسدة، تائهة وتبحث عن أبنها، تستجدي الله بكل ما أوتيت من قوة أن يعيده لها، تدعي وتصلي وتحج وتطوف دون أن يرحل عنها الألم، تعيد الأطفال الضائعين إلى ذويهم دون أن يعيد أحد ابنها إليها، ولكنها لم تيأس.
*في الربع الأخير من الرواية وددتُ لو القيتها بعيدًا وتناسيت كل ما عرفته من صفحاتها، تمنيت لو تخلصت من الألم والضيق الذي شعرت به في وسط قراءتها، ولكنني لم أستطيع التخلي عن كتاب في منتصفه أبدًا، تمنيت فقط لو خف الألم، هرب مشاري من سرقة الأعضاء حتى يصل إلى مزرعة فيأخذه "نظام" الذي يحبسه ليتناوب على اغتصابه يوميًا مساءًا ويواظب على صلاته صباحًا!!، لا أريد أن أتخيل أن هناك طفل تعرض لكل هذا، لا أريد أن اشعر بمشاعر الأم المكلومة التي فقدت طفلها في بيت الله ومازالت متمسكة بإيمانها.
*لست ساذجة وأعرف أن الأطفال المشردون والمختطفون يحدث لهم أكثر من ذلك بكثير، ولكن في تلك الرواية وخاصة أنني قراءتها الكتروني وسمعتها صوتي فشعرت وكأن الأحداث تتردد داخلي والأشخاص أمام عيني والألم أمامي يبتلعني بنهم، فشعرت وكأنني تهت معهم في خرائط التيه دون أن أجد بوصلة تعيدني.
*مليون دولار هي المكافأة التي وضعها أهله ويمكن أن يحصل عليها كل من يرشد عن مكان مشاري، على الرغم من إن مجموع اعضاءه مجتمعه ثمنها أقل من هذا بكثير إلا إنها لم تكن كافية لاستعادته، يسافر الأب وعم مشاري للبحث عنه في سيناء قبل أن ينقله تجار الأعضاء لإسرائيل، فكان شبح الموت يحوم حولهم في كل الجثث الموجودة والفارغة جحور عينها وملقاه ممزقة بالصحراء، ولم يعلموا أن الطفل مازال في جنوب المملكة.
*كل هذه الأحداث الحقيقية في مجملها وتحدث يوميًا، ووصفها بهذا الشكل يؤكد على براعة الكاتبة في توصيل كل فكرة وشخصية بشكل مثالي وعلى الرغم من كبر حجم الرواية إلى حد ما، إلا أن الملل والتطويل لم ينل منها أبدًا، النهاية أبكتني، أتمنى لكل طفل مثل مشاري أن يظل بخير بعيدًا عن قسوة العالم.
*إذا كنت تعاني من مشاعر سلبية أو نفسية مذبذبة فلا أنصح بقراءة هذه الرواية، إذا كنت ستتحمل الألم فأنصحك بقراءتها وتحمل الوجع فهي تستحق بالتأكيد.
*اقتباسات من الرواية:
-إنني أتسلّق ألمي! هذه تضاريس الجرح وأنا أعبرها إليك، أسافر نحوك، لأن ليس لي سواك، أنزل عليَّ رحماتك، لبيك، لبيك..
-واليوم، أنت مثلهم جميعاً، تقف على نفس الدرجة من الإنسانية، درجة تحت الصفر، طفلك مخطوف مع أطفال آخرين؛ إثيوبيا وتشاد. أموالك لا تحدث فرق، وأنهار النفط تحت قدميك، وزي البترول الذي جاء به شقيقك، لا يحدث أي فرق، أهلًا بك في جحيم العدالة، المكان الوحيد الذي يساوي بين البشر؛ في عالم الجريمة.
-هل هذا ما نبدو عليه في هذا العالم؟ مجرد أشخاص تائهين لا يدرون بأنهم تائهون.
-هو يفكر بان ما تخيله اسوأ من اي كابوس، ولكن الواقع اسوأ من الكوابيس جميعها.
-أتدري أين المشكلة؟ أن الأمان كله كاذب، الأمان كذبة.
-الألم يوجد في التفاصيل، الحب يوجد في التفاصيل، سمع و قرأ ان الرب يوجد في التفاصيل، اليوم فقط فهم المقصود
-نبيع كل شيء ولا مال لدينا لنشتري انفسنا، ماذا لو كانت قيمة الإنسان ميتًا أعلى من قيمته حيًا.
ما هو رد فعلك؟






