الاسم: نموذج كوبلر.
الكاتبة: يارا إبراهيم ندا.
دار النشر: كتوبيا للنشر والتوزيع.
عدد الصفحات: 231.
أحبّ توقُّع محتويات الأعمال الأدبية قبل قراءتها..
مثلًا.. عن طريق متابعة صفحة الكاتب وما يثير انتباهه طوال فترة الكتابة.. أو تلميحاته عن عمله القادم في منشورات لا يفهم مكنونها إلا قارئ يعرف الكاتب حق معرفة..
أو بناءً على أعماله السابقة وأيّ الألوان هو بارع فيها..
هذه المرة، كانت كل الدلائل تشير إلى روايةٍ تاريخيّة كالعمل السابق للكاتبة مثلًا...
ثمَّ كان الاسمُ يشير إلى نموذجٍ في علم النفس..
وهنا تخيلتُ الرواية مزيجًا بين التاريخ وعلم النفس..
وكان تخميني أنها رواية تسلِّط الضوء على شخصيةٍ تاريخيّة ومراحل نموذج كوبلر الخمس متجسدين فيها..
بالنهاية..
كان العمل مخالفًا لتوقعاتي كلها..
عملٌ اجتماعيّ نفسيّ ينغمسُ غمسةً في ذات الإنسان ويخرجُ القيحَ ويسلّط الضوء على القراحِ فيها..
عملٌ موجعٌ..
وأول العلاج الوجع!
أحب علم النفس.. بكل ما فيه.. جملةً وتفصيلًا.. وهو لوني المفضل في القراءة..
لا يجيد الكثيرون كتابة رواياتٍ نفسية واقعية بدون مبالغة أو تسفيه..
ليس الجميع قادر على رسم شخصية المريض النفسي ببراعة..
لذلك حين أجد رواية نفسية واقعية ومتوافقة مع مبادئ علم النفس.. أغتبطُ غبطًا شديدًا..
وقد كانت هذه الرواية مغنمًا كبيرًا لي..
لغة الرواية بسيطة، متينة سردًا حلوةً حوارًا، صيغت صياغة جعلتني أشعر أنّي في المنزل معهم.. في المنزل القديم.. كأنما عدت بالزمن أعوامًا وأعوامًا..
أحب جدًا الوصف الصادق لجميع نواحي الصورة.. أحب حين يجيد الكاتب رسم الشخصيات وإعطائهم الفرصة الكاملة للظهور ببشريتهم المطلقة.. بمزاياهم وعيوبهم.. بخيرهم وشرهم..
حيث لا يسعك إلقاء اللوم على أحدٍ وتحميله الذنب كاملًا..
حيث الجميعُ مدانٌ والكلّ خطَّاء..
وهذا ما أجادته الكاتبة ببراعة.. خرجتُ من الرواية لا أملك أحقادًا تجاه أحد الشخصيات..
وخرجتُ بمعنىٰ قويّ جدًا..
«أنا لستُ المريضة الوحيدة في العنبر!»
هذه الجملة على بساطتها، بها معاني كثيرة جدًا جدًا..
أروع شيء في الرواية مقدمتها..
شعرتُ بمتعةٍ غير عاديَّة بينما أقرأها.. شيء داخلي يقول لي.. هذه الكاتبة مدهشة في السرد.. عظيمة في كتابة الكتب أكثر من كتابة الروايات..
لأول مرة أكره انتهاء مقدمة!!
الرواية موجعة..
تهربُ أنت من الواقع إليها لتنتشلكَ من بين دفتيها وتزرعكَ في الواقع الأليم مجددًا..
تمنحكَ وعيًا لتواجه.. لتقا.تل.. وسواء انتصرتَ أو فشلت؛ يكفي أنك حاولتْ!
مأخذي الوحيد على الرواية بدايتها المربكة.. فجأة هناك الكثير من الشخصيات والكثير من الأزمنة وحديثٌ متقطِّعٌ ومشاهد غير مرتبة..
كانت بداية مربكة، لكن ربما ذلك لأنّها تصف مريضة تزور طبيبة نفسية لأول مرة ولا تعرف كيف ترتِّب الحديث داخل عقلها أولًا قبل النطق به.. ربما هذا هو مقصد الكاتبة..
بالنهاية..
بارك الله في الكاتبة وقلمها الذي أينما وضع أثمرَ وأتَىٰ بأطايب الثمار وأحسنها.. فكما أبدعت الكاتبة في كتابها الأول، أبدعت هنا في روايتها الأولى.. وفي كُلٍّ خير.