كتاب (على آثارهم مقتدون) للكاتب (السيد الشايب)
تناول الكاتب قضية النَّحْلِ التي تناولها بدوره الدكتور “طه حسين” في كتابه “في الشعر الجاهلي” وقبل أن تصدر في الكتاب فقد كانت تُدرس كمحاضرات في الجامعة التي ارتادها العلامة “محمود شاكر”، كما أنها تكشف ستارًا سبق للعلامة “محمود شاكر” كشفه في كتابه “المتنبي” والذي برز فيه مواقف العلامة مع عميد الأدب فيما يخص الشعر الجاهلي والذي غُلِّف بموضوع “المنهج” و” الشك” لئلا يقل تبجيل المتعلم لمعلمه في الرد أو المناقشة أو حتى الاعتراض.
دارت أحداث هذا العمل الذي توسع بشيء من الانحيازية التي لا يعترف بها الكاتب لذاته، لكن القارئ هو من يستشعر الأمر، فلقد وجدت الكثير من الغيظ والضيق في كلمات الشايب لم أستشعرها بهذا القدر في كتاب شاكر! وهذا يؤخذ على الكاتب عندي.
أتت مقدمة العمل حاملة للتشويق بأسلوب بليغ مرتب في كلماته وتراكيب لغته، بعض من تساؤلات تحوم حول عقلك عن مكنون فصول العمل الذي بدأ بمقدمة قوية تجعلك تترقب ما سيتم تناوله، مخمنًا بين جنباته أن القادم من كلمات ليس سوى إزالة الستار عن أناس ربما تتخذهم قدوة لك، وقد انتهت مقدمة العمل بقول الكاتب:
“تقدم بحرص عزيزي القارئ لتنل من الأدب والعلم ما قد تكون غافلًا عنه”.
– بدأت فصول العمل بداية روائية، فتشتت عقلي بين حقيقة بناء العمل وأصله وانتمائه، هل هو تابع للأدب الروائي، أم للسير الذاتية، أم لكتب النقد؟! وقد أُخذ ذلك على الكاتب في جم فصوله التي بدأت بمقدمة تحوي تعريفًا للعمل ككتاب نقدي، ثم ما لبثتُ أن بدأتُ الفصول الأولى حتى وجدتني بين أحداث رواية، ولما تعمقت قليلًا اكتشفت أنها سيرة ذاتية! لكنها بمتناولي أقرب لكتاب نقدي.
بدأت الأحداث بتعريف لحياة الأديب محمود شاكر حيث أهل بيته ودراسته التي أوقفها بمحض إرادته بعد ما أقبل الدكتور (طه حسين) على تعليمه لطلبته في جامعته، ثم ما لبث أن صدر كتابه (في الشعر الجاهلي) ليزيد الطين بلة، مما أدى بالأديب شاكر إلى اتخاذ قراره في استكمال دراسته بالسعودية بعد أن أتته دعوة من الملك (عبد العزيز آل سعود).
أحببت لغة الكاتب التي تفاوتت في قوتها، والتي وُزعت على فقرات، ولا سيما أخبرك أن قارئ مبتدئ في قراءة كتب النقد أو القضايا سيواجه صعوبة في تفهم اللغة التي اندثرت في الأصل -وهذا ليس ذنبك- لكن انتبه لئلا تعلُ بها على نطاق أوسع إلا إذا كان ترفعك مع قرائك.
كان سير الأحداث فيما تم تناوله من سيرة العلامة تمهيديًا، والوصف مع التشبيهات والبلاغيات مبهرًا كأن يقول في أحد مواضع الفصل الأول:
“جلست على مكتبي آوي إلى كتاب يعصمني من الأفكار العاتية”
ناهيك عن جمال البلاغيات التي انتشرت بشكل يجعلك تبتسم لما يحمله قلم الشايب من جميل الوصف، وخاصة أنه يحمل الكثير من المقتطفات القرآنية.
أخذت على الكاتب في بعض الفصول أن تعرض لشخص بعض الأشخاص سالكًا الطريق الذي سلكه المُنتقَد بدلًا من أن ينتهج هو كناقد لغة ذاته ووصفه وتعبيراته في الرد، وهو خير من يستطيع فعل ذلك.. كما أنه يتحدث بلسان العلامة بقلمه والذي رد على قول الدسوقي في كونه قد نعت الدكتور طه بالجهل- أنه لا يمكنه الإقبال على ذلك، بل وأثنى على فضل الدكتور.. علاوة على ما قاله في “المتنبي”.. وأعلم ما تم قوله عن لسان شاكر غير ذلك، ولكن حينما نمسك بقضية أدبية فما علينا إلا إظهار جوانبها بالأدلة، بعيدين كل البعد عن الشخوص، فما من بيننا مسلم يحتمل أن يقول عن مسلم قولًا سيحاسب عليه أمام ربه وإن أخطأ الآخر.. وإلا ستنتقل ساحة الأدب لمعارك شخصية وليست أدبية.
جذب انتباهي أن أتت سيرة الأزهر مع بداية الفصل الثاني، ومتى ما اهتدمت جوانبه على يد محمد علي، وقد كانت لفتة جيدة من الكاتب، وخاسر كل من يقع تحت يده نقاط كتلك ويتجاهلها دون استغلالها.. وهناك عدد لا بأس به من اللفتات الجيدة التي استصاغها الكاتب في سطور شحيحة كي يلتقطها قارئ مطلع فيبدأ في البحث والاستزادة.
وفق الكاتب في جعلي أشعر بحزن شاب عقلي وقلبي على ما نحن فيه من هرطقة أدبية، وأثار من بين
كلماته حنينًا لتقوية الأدب والسير على نهج قدمائنا الكرام.
افتقر العمل لذكر مصادر دراسته، وهذا لن يجعل من القارئ باحثًا في القضية، بل سيتكاسل مائة قارئ ويبحث واحد.
أخيرًا وليس آخرًا.. أنا أجهل جهلًا كبيرًا فيما يتعلق بقضية “لويس عوض” ولذلك فلم أتعرض له في رأيي عن الكتاب، ولهذا السبب يمكنني القول أن لنا عودة أخرى تخص الكتاب، ولكن بعد أن أكون مطلعة على ما يخص جزء “لويس عوض” أولًا.
أراك في مكان آخر فرغ من جالسيه منذ زمن بعيد بعد أن ترمَّد الأدب بما نحن عليه الآن من… لا وصف لما نحن فيه أصلًا! أتمنى ألا أكون قد ضايقتك برأيي الذي هو أقل من جهدك في كتابك الذي أدخل السرور على قلبي بحق لما استشعرته في قلمك من جمال وبلاغة، بل ومحاولة إحقاق الحق لأهله، وفخورة بتلك الأقلام التي تقرأ لها وتقتدي بها، كما أني فخورة بجهودك الكتابية التي لم تخلُ في نظري من التقدم والسمو يومًا عن آخر.
وفقك الله يا (مفكر) وهذا لقبي لك من الآن فصاعدًا.. أتمنى أن ينال إعجابك وأن أرى لك في القريب العاجل جديدًا مما يخطه قلمك بإبداعه الذي عهدته.