رواية الحجرات - للكاتبة شيرين سامي
مراجعة رواية الحجرات - للكاتبة شيرين سامي

هل نعي جميعنا أن ليس المنزل وحده من يملك حجرات؟ بل للحياة حجرات؟ و للنفس حجرات؟ و القلب حجرات ؟ شيرين سامي كانت تعي ذلك حد اليقين.
هل قمت قبلًا بجمع كافة مخاوفك و معاناتك و حبسهم في حجرة مغلقة بمائة قفل و القيتها في نهاية ممر حجرات عقلك و قلبك ؟ هل خوفت يومًا من الحجرات التي أغلقتها سابقًا بيديك؟
كل تلك التساؤلات نتناسى الإجابة عنها حتى تأتي رواية كالحجرات لتفتح كافة الأبواب المغلقة، و تضعك وجهًا لوجه أمام مخاوفك و قلقك و مشاعرك و الكثير من الذكريات و الأحداث التي مررت بها.
قلم شيرين سامي من الأقلام الثقيلة المهمة، فهى كاتبة متمكنة بشكل كامل من أدواتها و حبكاتها، تستطيع بكل سلاسة أن تتلون بكل الشخصيات التي تريدها، فيمكنها ان تكون المرأة القوية المستقبلة، و المرأة التابعة الضعيفة، و في مرة تكون الحبيبة أو الزوجة أو الصديقة أو الأبنة.
منذ الكتاب الأول الذي خطته يديها و أنا أراها تخلق عالم و حكاية تسحبك إليها بالتدريج، فأشعر و كأنها تحدثني تارة و تتحدث عني تارة أخرى، أجد جزء مني في كل قصة و رواية تسطرها، فشعرت و كأنها تكتب بالنيابة عني و لن أبالغ إن قلت و عن كل امرأة أخرى.
رواية الحجرات جاءت في 260 صفحة لكل عدة صفحات حديث عن حجرة ما، و الحجرات ذاتها في الرواية مقسمة لقطع متراصة في كل حجرة منهم، و كأنها رسالة أن لكل مرحلة في الحياة حجراتها و متعلقاتها الخاصة التي نغلقها و نفتحها كما يستدعي الأمر حينها.
أن حاولت وصف فكرة الرواية فيمكنني القول أنها تتحدث عن امرأة تصف كيف كانت حياتها مع زوجها و كيف كان جفاءه و قسوته سبب في سحب كافة ذرات حبه التي تنفساتها على مدار سنوات، و قرار انفصالها عنه و ما المراحل و الحجرات التي مرت بها طوال تلك الرحلة من و إلى.
ساذج من يعتقد أن الفكرة تقليدية، فكم من الأفكار التقليدية و التيمات المكررة التي تم تناولها بشكل مختلف و متجدد في كل مرة، و هذا ما حدث في زوايا الحجرات.
تملك شيرين ملكة الحكي التي تجعلك تغطس في عالمها الذي تحكي لك تفاصيله فيمكنها أن تحدثك عن الملح و كأنه النكهة الوحيدة التي يمكنك استخدامها للحياة بأكملها، و مرة أخرى تحدثك عن السكر الذي يجعل الملح لا وجود له، و مرة ثالثة تحدثك عن الشيزلونج القابع في طرف الغرفة هناك، فتراه كقطعة تملك ذكرياتك و أحداثك دون أن تدري، و يمكنها أن تشعرك أن الكتابة و القراءة هم وقود الحياة، فتستطيع في النهاية أن تنسج ثوب رائع مثالي من ملكة الحكي مرسوم عليه كافة أحداث روايتها بألوان واضحة و متضافرة مع بعضها البعض.
تحديدًا في فصل "فؤاد أم موسى" تحدثت البطلة عن ابتعاد أطفالها عنها، أعتقد أن هذا الجزء هو الأقوى و الأقرب و الأصدق إلى قلبي، البطلة الأم و فؤادها الذي يشعر بالأسى لابتعاد طفليها عنها، كل مشاعرها و كلماتها جعلت قلبي ينقبض و لم تستطيع أنفاسي على الاستمرار بنفس وتيرتها و كفت عن الانتظام، اختنقت انفاسي من الفكرة و الكلمات فقط!
الكلمات في هذا الجزء من الرواية خرجت من القلب و احتلت قلبي تمامًا، المشاعر خرجت من قلب أم فغُرست في قلب أم فشعرت بخوفها ذاته مجسد داخلي.
في النهاية لا تخلو روايات شيرين من المفاجآت فبالرغم من اعتصار قلبي طوال أحداث الرواية إلا أنها أبت الانتهاء قبل أن ترسم ابتسامة أمل على ملامحي، فجعلتني أعيد قراءة بعض الصفحات مرة أخرى.
مع رواية الحجرات فتحت بعض حجراتي و أغلقت البعض بعدة مفاتيح و القيتها بعيدًا.
شكرًا شيرين على المشاعر و الكلمات و الألم و الأمل و الابتسامة.
بعض الاقتباسات من الرواية:
"نحن نمارس الكتابة لننكأ جراح الناس و نؤنسهم و نشاركهم هواجسهم."
"الخوف لا يجعل منك جبانًا كما تعتقد، لكنه يشدك لتفعل ما تريده بسرعة و غزارة قبل فوات الأوان، الخوف يملأ قلبي بالحزن و العاطفة، فتزداد رغبتي في الكتابة، لكنها الكتابة المتوترة، و ليست الكتابة المسترسلة الهادئة التي تأتي عندنا يحيط بي الأمان."
"القطع الخشبية قد تحترق بالنار، لكن الإنسان يتهشم ببضع كلمات."
"كنت أحسب الحزن.. عندما نحسب الحزن نتوقف عن حساب الوقت، رزنامة الحزن مرقمة بالمواقف، مؤرخة بالكلمات المؤلمة، و أنا تعبت من حساب الحزن."
"عزيمتي كانت مثل الخميرة التي نتركها تتضاعف في الظل و الكتمة."
ما هو رد فعلك؟






