كتاب نحن نقص عليك - تأليف ادهم الشرقاوي

كتاب "نحنُ نَقصُّ عليك"
للكاتب "أدهم الشرقاوي"
كما قلتُ مسبقًا.. لو كانت الثقافة رجلًا لكانت "أدهم الشرقاوي" فـ عندما يُذكر اسمه فإن عقلي يأبى أن يتخيل له أي صورة سوى أنه "رجل في عقلهِ مكتبة، أو مكتبة في هيئة رجل"!
أنا تدهشني فكرة أن كاتبًا ما يصل إلى هذا الكم الغزير جدًا من الثقافة والأدب، عندما قرأتُ له أول مرة ظننت أنه تجاوز الثمانين من عمره لأن كل هذه الخبرات التي يسكبها في كتبه توحي بأنه صاحب تجربة عمرية طويلة.. الرجل يظهر من كتاباته أنه لايفعل في حياته شيئًا سوى القراءة.
الكتاب عبارة عن قصص وأحداث حقيقية أو مقطفات من كتب السابقين يعلق عليها الكاتب من وجهة نظره والتي تحوي في نهاية كل قصة نصيحة للقارىء أو توجيهًا له.
الكاتب لغته قوية للغاية، وقلمه رشيقٌ رشيق، وألفاظه سهلة جذلة، قرأت ذات مرة أنه لا أحد من الكُتابِ المعاصرين نجح في استعمال اللغه كما فعل أدهم الشرقاوى ولم يُروِّضها أحدٌ لقلمه كما رودها هو فباتت كتاباته مفهومة للكبير والصغير من عمر عشرة سنوات فما فوق.
الكاتب موهوب في السرد والاستطراد والتنقل بين المواضيع بخفه وسهوله دون أن يجعل القارئ يشعر بذلك.. يتنقل بك بسهولة ويسر من قصة إلى أخرى ومن أثر إلى آخر ومن حكاية ينتقدُ العبرة منها لكنها يذكرها لك لأنك قارىء حُر اقبل ماتحب وارفض مالا ترغب به دون أن يجعل من نفسه وصيًا عليك.
من يقرأ الكتاب يشعر أنه يجلس مع الكاتب في غرفة واحدة يتبادلان الحديث وأكواب القهوة..
-في أحد نصوصه والتي تتكلم عن الفضاوة -الفراغ- راح يشرح للقارىء وجهة نظره في قصة مُعينة ويستطرد الشرح فيها ثم في النهاية بعدما ظن أنه أطال السرد كتب "قد يقول قائلٌ ما شأني أنا بكل هذا.. لكن عزيزي القارىء اعتبر أنني ذكرته لك من باب الفضاوة"!
من اللطيف بالنسبة لي أنه كان يبدأ قصصه بذكر المصدر.. فمثلًا تراه يقول" جاء في كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي.. أو ذكر ابن القيم في كتابه القيم مفتاح دار السعادة.. أو جاء في كتاب صياد الحكايات لإدوارد غليانو.. أو قال الكاتب الأميركي رالف سيو في كتابه حرفة السلاطين.. أو ذُكرَ في كتاب البداية والنهاية لابن كثير أنه...، وهكذا.
حتى الأحداث العادية والتي لم تذكر في الكتب أرخها لك فتجده يقول "في شهر أغسطس عام 2004 حدث حريق هائل في مدينة أسوتثيون...، أو في عام 1704 انقطعت السبل ببحار اسكتلندي..، أو في المبارة النهائية لكأس العالم عام 2006 والتي كانت بين إيطاليا وفرنسا حدث...، إلى آخره.
الكاتب تحدث في الكثير من الموضوعات وعالجها بطريقة موضوعية ومثمرة للغاية، واستدل على ذلك باقتباسات من القرأن الكريم، والأدب والشعر وكتب التراث ليقنعك بوجهة نظره.
الكاتب تحدث عن سير السابقين، عن عمر بن الخطاب ، عن أبي عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد، وعن أبي بكر، تحدث عن علي بن أبى طالب والخوارج وعن الحجاج بن يوسف الثقفي، تحدث عن نابليون ودوستويفسكي وجيروم آرفن ومالكوم إكس وعلى عزت بيجوفيتش، وباولو كويلو وإيملي بروتني، جورج واشنطون وغاندي، توماس أديسون، وأرنست همنجواي وستاميتس ، وغيرهم.
تحدث عن الملك المنصور و ابن زيدون وولادة بنت المستكفي، عن البخاري وابن حجر العسقلانى، عن قابيل وهابيل، عن غسان كنفاني، ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس عن فرانكلين روزفلت رئيس الولايات المتحدة، وعن حـ ـرب القوقاز وحتى عن احتلال الإنجليز لأميركا، وتجارة النفط فيها .
تحدث الكاتب عن الحب والحرب، عن الموت والحياة، عن العبقرية والجنون، عن الحرية والعبودية، عن الحرب والسلم، عن كيد الرجال وكيد النساء، عن العافية والمرض عن النعمة والابتلاء.. عن الغِبطة وعن الحسد، عن صلاح الخلفاء وفساد العلماء عن العقوق وعن الطلاق، عن الفقد والأمومة، تحدث عن الدين والفلسفة والأدب والتاريخ والشعر، وغير ذلك كثير.
من اللطيف أيضًا أنني كلما قرأتُ كتابًا.. أمسكت بالقلم وكتبت كل ما لفت انتباهي فيه.. في هذا الكتاب بعد أن أطلتُ الكتابة بالرغم من كوني لازلتُ في الصفحات الأولى فقط كتبت في كراستي.. "الكتاب كله لطيف ومهم عودي إليه مرةً أخرى".
وأخيرًا كتابات أدهم الشرقاوى وحدها كفيلة بأن تجعل منك قارئًا مدركًا وواعيًا وصاحب لغة فاحرص على ألا يفوتك شيء منها.
ما هو رد فعلك؟






